أعظم النَّاس اطمئناناً ويقيناً وإيماناً بالله هم من أنزل الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عليهم السكينة، وشهد لهم بالإيمان والطمأنينة والذكر وهم الصحابة -رضوان الله عليهم- ثُمَّ أهل القرون المفضلة ومن اقتفى نهجهم، .
فإذا حُجب عن هذا المشهد، وبقي بنفسه أي لا بربه، استولى عليه حكم النفس، فهنالك نصبت عليه الشباك، والأشراك وأرسلت عليه الصيادون، والشراك هو الذي تقع فيه الفريسة وتقيد به، أي: أن الإِنسَان في هذه الحالة إذا غفل، واستولى عليه حكم النفس لا حال المراقبة واليقين، ولكن غلب عليه حال الهوى والشهوات، فمن كانت نفسه أمارة عليه فبماذا تأمره؟ ومن الذي وعده بالجنة وجعلها مأواه؟ ((وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى))[النازعات:40-41].
لكن إذا سيطرت النفس وسيطر الهوى، حتى كَانَ كحال من اتخذ إلهه هواه، فحينئذ لا تأمره إلا بالشر، فالقلوب المؤمنة، والنفوس اللوامة، إذا اعترتها هذه الحالة وقعت في شراك الشيطان، والشهوة، والشبهة، والمعاصي، وحينئذٍ يكون الأمر والنتيجة عَلَى حالين: إما أن يفيق العبد، ويتوب وينيب إِلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهذا ما ذكره المُصنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ عندما قَالَ: [فإذا انقشع عنه ضباب ذلك الوجود الطبعي، فهنالك يحضره الندم والتوبة والإنابة، فإنه كَانَ في المعصية محجوباً بنفسه عن ربه، فلما فارق ذلك الوجود صار في وجودٍ آخر فبقي بربه لا بنفسه] وهذه الحالة، حالة من ثبته الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ((وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ)) [آل عمران:135] فماذا فعلوا ((فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِم)).
إذاً وقعوا في الشرك لكن تذكروا فاستغفروا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وتابوا وأنابوا إليه، فتعود النفوس إِلَى اطمئنانها، وينقشع ذلك الضباب وذلك الحجاب وذلك الران الذي حصل نتيجة حيلولة النفس بين العبد وبين مرضاة ربه عَزَّ وَجَلَّ،
.
والحالة الأخرى: من غلبه الهوى والشهوة، فالشهوة إثر الشهوة والهوى إثر الهوى، حتى يطبع عَلَى قلبه، ويغلب عليه الران، فحينئذٍ لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، ولهذا كَانَ السلف الصالح -رضوان الله عليهم- أحرص النَّاس عَلَى الثبات، وعلى الاستقامة، وكانوا أخوف النَّاس من النكوص ومن انقلاب الحال وتغيره إِلَى حال لا يرجى معها انتقال ولا شفاء، ثُمَّ يعود رحمه الله تعالى بعد ذلك، في مسألة القدر، وموقف المؤمنين منه.